في تأبين عالم الظلال ما بين عادل عصمت وجونيشيرو تانيزاكي

فبراير 2025

 

إن رؤية الأطلال تجعلنا نستشعر بسرعة زمنا غير ذاك الذي تكلمت عنه كتب التاريخ أو ذاك الذي تحاول عمليات الترميم أن تحييه. إنه زمن خالص عصي على التأريخ، وغائب عن عالمنا الطافح بالصور والمخيلات والتشكيلات المجددة عن عالمنا العنيف الذي لا يتسع الوقت فيه للأنقاض كي تصبح أطلالا. إنه زمن ضائع يسعى الفن إلى أن يعثر عليه.

 – من كتاب  الزمن أطلالا –  مارك أوجيه ترجمة د.جمال شحيّد

 

ماذا قلت لي عن اسم هذه القرية؟

إنها كومالا يا سيدي.

أأنت متأكد من أنها كومالا؟

متأكد يا سيدي.

ولماذا تبدو كئيبة هكذا؟

إنه الزمن يا سيدي.

– رواية بيدرو بارامو – خوان رولفو ترجمة صالح علماني

 

يشكل عادل عصمت حالة فريدة وخاصة في المشهد الثقافي المصري والعربي، من خلال منجزه الأدبي الذي استطاع تحويل عالم القرية القاتم المخنوق إلى ذلك العالم الفسيح المليء بالسحر والحكايات.

يكتب صاحب جائزة نجيب محفوظ للأدب (2016)، القصة والرواية منذ تسعينات القرن الماضي، حصل على جائزة الدولة التشجيعية عن روايته “أيام النوافذ الزرقاء” (2011) كما اختِيرت روايته “الوصايا” في القائمة القصيرة للبوكر العربية (2019) وتُرجمت إلى عدة لغات من بينها الصينية مؤخرًا.

بالإضافة إلى هذا اشتغل عادل عصمت في الصحافة، وكانت تجربته الأبرزفي مجلة «أمكنة»، التي مكنته في نهاية  سنة  2001 من كتابة مقال مطولٍ عن قريته بعنوان “قرية منسية”، قبل أن يتطور المشروع ويضيف إليه فصولا لاحقة مجمّعة نشرها في كتابه «ناس وأماكن» (2010)

ينتمي المؤلف الأخير إلى أعمال شديدة النّدرة قرأتها سابقا وحفرت ذائقتي الأدبية، مثل كتاب “عالم الأمس” لستيفان زفايغ، “وجوه” لمحمد شكري، “في مديح الظل” لتانيزاكي، “السنوات” لآني أرنو، وأغلبها أعمال تتمتع بفرادة خاصة، تكمن في محاولة اقترابها من مناطق يتعذّر الوصول إليها بأيّة طريقةٍ أخرى غير الأدب، وذلك من خلال جنس أدبي، مُسْتَعْصٍ على التّصنيف، وصفته صاحبة نوبل الفرنسية بالشكل الجديد من أشكال السيرة الذاتية التي تعبر فيها الأنا – الذات، للتحدث عن أنا جماعية (لا شخصية) وتقدم من خلالها حكاية عن الزمن.

مثل هذا النوع من الكتابة تحتاجه المكتبة العربية، ليس فقط لأن التحولات السريعة اقتحمت أماكننا ودنيانا أسرع مما نتوقع، بل كذلك للقبض على مراحل مهمة ربما لدى الأجيال القادمة حاجة إلى معرفة شيء عنها، قبل زوالها تماماً.

على هذا النحو اختار المصري عادل عصمت أن يقدم لنا سجلاً للسنوات الستين الماضية من المجتمع المصري في مدينة طنطا شمال القاهرة وضواحيها الريفية. مسترجعا مثل أسلوب مارسيل بروست  الزمن الذي مضى، والعالم الذ يكان ولم يعد موجودا. لكن هذا الاستدعاء لا يحركه الحنين، وإنما رصد التحولات السريعة التي تعرض لها العالم الريفي وأنتج تشوّهات عميقة لم يكن من الممكن فهم أبعادها دون استحضار البعد المعيشيّ للتاريخ والأحداث الاجتماعية والثقافية والسياسية الكبرى التي ميزت حياة صاحبها وحياة أبناء منطقته في “أبشاوي الملق” ومدينة طنطا.

يحتوي الكتاب على ثلاثة أقسام: الأول عن القرية، والثاني عن المقهى والمدينة، والثالث يجمع حكايتين، واحدة عن أبناء القرية الذين غرقوا في البحر بسبب الهجرة غير النظامية، والأخرى عن رحلة العالم الفرنسي “دي بوا إيميه” إلى مصر.

وتسعى  هذه المقالة للتركيز على القسم الأول “قرية منسية” الذي يعود بنا صاحبها إلى فترة الستينات، لتشكيل ملامح القرى وطبيعة الحياة فيها.

 

 

أحببت تجربة كتابة «قرية منسية»، لأنها قادتني إلى اكتشاف معنى آخر للكتابة وربما ساعدتني في تفهم فكرة «الذات» و «المكان».

  عادل عصمت

 

أمام غزو الإعلانات التلفزية المصرية في السنوات الأخيرة وترويجها لنموذج المجمعات السكنية المسوّرة “الكومباوند”، وما تثيره من معضلة التحول الفاجع في علاقة الفرد بالفضاء العام والحياة المشتركة، يعود بنا عادل عصمت إلى حياة أرحب نشأ في بيوتها الطينية وأزقتها الضيقة، حيث تشم رائحة الطبيخ ويعرف الجيران أكل الآخرين ويسمعون تهامسهم، فلا تعرف كيف تفرق بين بيت وآخر. هذا التساند والقرب، والحياة الجماعية، التي شرطها التعاون والتّحابب، فسره الجغرافيون ببقايا التضامن الذي قامت عليه حياة المصريين في مواجهة الفيضان السنوي للنيل.

يستعير الكاتب من نظريات علم الاجتماع ما يسمى بالمورفولوجيا الاجتماعية “Morphologie sociale  ” التي تدرس التجمعات البشرية من حيث المكان الجغرافي الذي تحتله وتتحدد مجموعة القيم والأفعال داخله. ليرصد لنا التِّرَع والمصارف والمساجد والقناطر الحجرية، والسوق القديمة، ثم “المرشح” الذي أحدثته ثورة 23 جويلية 1952، وأصبح فضاء لمعاكسة البنات اللاتي يملأن الماء منه، ثم ينتقل بنا إلى علاقات الغيطان التي تبدو مختلفة عن المرشح من حيث أفقها الواعد بالزواج، مثل علاقة جمال الذي أحب أوصاف.

في ذلك الوقت كانت القرية معزولة، ولم يكن للناس غير فضائها المحدود لتخيل حياتهم، حتى إنّ القطار الذي تمّ إحداثه آنذاك مر بعيدا عنها بثلاثة كيلومترات، وحمل اسم قرية أخرى بعيدة جدا، ولكنّ هذا لم يقلقهم، فقد كانت تتحكم في الأذهان معاييرُ أخرى، حيث القرب من عوالم الله ورعايته أكثر أهمية وخيرًا من القرب من مراكز الإدارة في المدن.

عاش الناس فعلاً حياتَهم داخل هذه الحدود، تزوجوا وأنجبوا وأقاموا الأفراح والموالد وسمعوا خطابات الزعيم من الراديو الوحيد على سلالم “سيدي عبد الرازق” وسهروا مع أمّ كلثوم على الأكوام في السّاحات وعلى المصاطب وخيّل إليهم أن الحياة سوف تستمرّ على هذا النحو، حتى بدأت الدنيا تغيّر جلدها.

حدثت النقلة الكبرى في البداية عندما تمّ ربط القرية بالمدن، بعد إحداث طريق ترابيّ يمس البلد من الخارج ويعبرها إلى القرى والمدن القريبة التي كانت نائمة ولكنها غدت ذات أهمية لقرب أسواقها ووجود المدارس فيها، والمصالح والموظفين. ثمّ توفرت المواصلات لاحقا، مغيّرة بدورها إيقاعَ اليوم،”فالأيام كانت ثابتة في السابق، الأمس مثل اليوم، يبدو الناس فيها كأنهم يعيشون في حاضر دائم أو ماضٍ دائم، ثم تحول الإيقاع واتّسم باللهوجة والسرعة.

ومع نهاية الستينات، بدأت حالة العزلة تفك أسوارها، النموّ السكاني والتعليم، وظهور أنشطة اقتصادية جديدة، حركت البلد التي راحت تتخلى عن نمط حياتها القديم في المسكن والعمل والعلاقات.

كما حدث تغيير على مستوى اللباس، عندما تخلى الشباب عن ارتداء الجلابيب  (وهو الزيّ الوقور للأزهر) وعوّضوها بسراويل الجينز في الثمانينات، محاولين تقليد أبناء المدن، عن طريق تطويل الشّعر ولبس “جزم”بكعوب عالية مثل “جزم” البنات. فكان كل هذا أمرا غريبا، حتى إن أهالي القرية سخروا من ارتدائهم لبنطلونات الجينز معتبرين أن قماشها مثل قماش برادع الحمير.

يتوقف جورج زيمل في كتابه «نظرية الموضة» عند مسألة الموضة ويفسرها على ضوء ثنائية «الجذب والدفع»، أي بالرغبة في الانجذاب إلى طبقة ما والتبرّؤ من طبقة أخرى، وهذا ما نلاحظه عندما يكتب عادل عصمت “أصبح من الممكن أن ترى شابا يحمل في يده الموبايل، يقف فخورا بأن أصبح على مسافة ما من بيئته، خاصة عندما يرى أحد أقاربه قادما على حمار، فوقه حمل من البرسيم”.

 

 وفي خضمّ هذه الحركة التي كانت تفتّت شكل التجمع القديم تم اقتلاع بشر من مكانهم الوحيد الملائم لهم، لقد رأيت فلاحين أصيبوا بالغمّ لإدراكهم بأنهم فقدوا العالم القديم إلى الأبد.

عادل عصمت

 

من خلال استدعاء الماضي، لم يكن فكر عادل عصمت ينتمي إلى الماضوية القديمة (passéiste) التي تحاول الانغلاق في الماضي والتشبث به، بقدر ما كان يسعى إلى إظهار التّكلفة البشرية الباهظة التي كان يتعيّن دفعها. بسبب الأضرار الجانبية لهذا الانتقال،  المُحدث لنوع  من التخلخل الاجتماعي anomie) sociale) الدوركايمي. الذي  يرصد  تمظهراته في الفصل الأخير “شاخت الأرض” من خلال  مظاهر فقدانِ الأرضِ رمزيَّتها وبداية التخلي عن النمط الريفي الزراعي، ليحلّ مكانه واقع جديد.

“.. ففي العقود القليلة الماضية تحول الناس عن سكن البيوت الطينية، التي استمروا يتوارثون طريقة بنائها آلاف السنين، استبدت بهم رغبة في أن يمتلكوا بيوتا حديثة بالطوب والإسمنت مبلّطة بها مياهٌ ومجارٍ وكهرباء وفرن غاز كان هذا تجسيدا لرغبتهم في أن يصعدوا على وجه الحياة، أن ينجوا من ظلام العصور القديمة. بدا لهم أنه من الممكن في الزمن الحديث، أن يتخلصوا من الخوف من ضياع الأرض. فلْتضع الأرض، هناك مواردُ أخرى، وطرق أخرى للحياة. الأنشطة الحديثة فتحت أعين الناس على اتساع الحياة وغدا النشاط الزراعي على الرغم من مركزيّته في حياة الناس في تراجع وغدا يشكل مركزا خاويا لحياة تملأ أطرافها أنشطة أخرى أكثر صخبا… موضوع ملكية الأرض لم يعد ملحّا واكتشف الناس طرقا جديدة للتجارة وانتشرت الدكاكين في كل مكان واشترى بعض الفلاحين سيارات الميكروباص، وسافر الناس إلى البلاد العربية. حيث يمكن الحصول على المال بطرق أخرى غير زارعة الأرض والوظيفة في الحكومة. ومثلما اهتزت مكانة الأرض فإن العلاقات القائمة والصِّلات التي شكلها الزمن بين الأهل وطريقة التعامل القديمة المتوارثة وأساليب حلّ النزاعات والتصدي للمشكلات الطارئة قد اهتزّ أيضا وتبدّل. بعدما أصبحت القرية بسبب هذه الأنشطة الجديدة عليها مكانا لأخلاقيات أخرى غير أخلاقيات المجتمع الزراعي، وأخذت الرغبة في الاستقلال أشكالا متنوعة وظهرت على شكل مشاريع خاصة وخلافات بين الإخوة، أصبح عاديًا أيضا أن يمسك أخ السكينة لأخيه من أجل شبر في الأرض أو الدار”

إذ نلاحظ هنا،  كيف  تم «فصل الحياة الاقتصادية عن الأسرة» كما وسمها “ماكس فيبر” عند حديثه عن تحرير المصالح التجارية من الرقابة الأخلاقية التي كانت تفرضها عليها المؤسسات الاجتماعية، هذا الانحراف أدى إلى انهيار العائلات والتجمعات وتراجع وانحلال الروابط الإنسانية والاستعاضة عنها بـ «الرابطة النقدية» كما يشير الى ذلك توماس كارليلي.

 

لقد أضحت القرية تنمو روحيا في اتجاه سمات عشوائيات المدينة

عادل عصمت

 

لا يقتصر خلاف عادل عصمت مع المنظومة القيمية التي استحدثها الشكل الجديد للقرية، بل يمتد إلى المعارضة الجمالية والروحية، وهذا ما يتجلى في الفصل المكتوب بلغة شاعرية -قناديل الليل- الذي نقرأ منه “عشت ليلين، الليل القديم؛ ليل اللمبة الجاز والضوء الأصفر والونس والدّور المفتوحة الأبواب. وليل الكهرباء والمحلات المضاءة بالنيون والتليفزيون، وتجول الشباب في حوارٍ ما زالت بها آثار القرية القديمة، من بيوت طينية وممرات ضيّقة وجوامع قديمة بحكم تحولات الذاكرة.

هكذا بات الليل القديم بمصابيحه وعاداته المرتبطة بتلك المصابيح يشكل شيئا مثيرًا في الذاكرة له روح شفافة أراها أحيانًا في أحلامي، وبات الظلام القديم أكثر كثافة وامتلاء بالحياة، هيبة الطبيعة تتسلل إلى المرء فيدرك دون أن يعي اتصاله بالعالم. فصلتنا الكهرباء عن عالم طيب، متسامح رغم امتلائه بالأرواح المتربصة. الظلام الحديث، هش، خفيف فارغ من محتواه مجرد من الظلمات الكثيفة، يمكن رؤية أعماقه ويخص بشكل ما عالم النهار. إنه نهار يلبس طرحة سوداء. لم تعد الكائنات القديمة تسكنه. هجرته الجنية التي سكنت طويلاً ترعة حوض البحري، والأخرى التي عاشت في حقول أم جلاجل، وسُمّي الحوض باسمها.

كل هذا لم يعد موجودًا. طردتهم الكهرباء إلى مناطق ليلها أكثر عمقا ومن جهة أخرى، أرتنا الكهرباء أعماق الليل لم يكن كما ظننّاه، كان جوالاً فارغا. فرحنا بالكهرباء كأطفال صغار لكننا غير مستعدين لهذا الحس الواقعي الذي تشيعه، لا نريد أن نرى العالم عاريًا من آلهته وجنياته وملوكه وروح أشجاره، وماذا نفعل بالواقعية؟ الواقعية غير مناسبة لنا الآن، فماذا نفعل برغبتنا في ملء العالم بالكائنات؟”

ثم يواصل الكاتب تعداد أنواع القناديل التي أضاءت ليل القرية القديم، وهي ستة أنواع اللمبة الصفيح، والوناسة، والفانوس، واللمبة نمرة 5، واللمبة نمرة 10، وأخيرا الكلوب.

يبدو عادل عصمت في هذا الفصل كما لو أنه يستعيد ثقافة الظلّ من الكاتب الياباني جونيشيرو تانيزاكي، الذي عاش بدوره أزمة مماثلة في أوائل القرن الماضي، بعد انسياق المجتمع الياباني وراء النمط التّغريبي، متخليا بالتالي عن تقاليده وأصالته.

وهي الفترة ذاتها التي حدث فيها زلزال كانتو الكبير (سنة 1923) ودمر العاصمة اليابانية طوكيو. لكن بدلا من إعادة إعمار المنازل والمباني كما كانت على الطريقة اليابانية القديمة، تم تشكيلها على الطريقة الغربية، الأمر الذي دفع الكاتب الياباني لترك منزله الواقع في المنطقة السكنية العصرية والانتقال إلى منطقة كيوتو (ثم كانساي) التي حافظت على بنيانها القديم، مقابل حداثة طوكيو

يروي تانيزاكي أنه ذهب ذات مرة إلى معبد “سوما” ليتأمل بهاء القمر عند اكتماله على مركب في البحيرة المحاذية للمعبد وعند وصوله إلى هناك، عاين وجود شرائط من الضوء الكهربائي، مختلفة الألوان معلقة على ضفة البحيرة مفسدة المشهد السّاحر الذي يضفيه القمر على ذلك المكان. لذا فضّل تانيزاكي أن يغادر في الحين قائلا إن المبالغة في الإضاءة أفسدت ذوق اليابانيين، وأفقدتهم الإحساس بالمعاني الحقيقية لحضارتهم.

المقارنة التي يقيمها تانيزاكي بين العتمة المظلّلة والنور الساطع، هي مقارنة بين نظرتين وعالمين: نظرة اليابان وعالمها من ناحية، ونظرة الغرب وعالمه من الناحية الأخرى. فالغرب في رأيه يمضي وقته كلّه وهو يبحث عن أعلى درجات النور لأنه بالنسبة إليه مرادف للوضوح والتقدّم، فيما الشرق عموماً واليابان يجعلان من الظلّ والضوء الخفيف جزءاً من تقاليد الحياة، ضمن إطار ما يسمّيه اليابانيون «وابي-سابي (Wabi-sabi (侘寂» وهو مصطلح ياباني يرمز إلى فلسفة جمالية نشأت في اليابان وتركز على رؤية الجمال وسط كل شيء، دون اهتمام بما إذا كان يعني تقدماً أو تخلفاً. على العكس من التوجهات الجمالية -وبالأخصّ الغربية- التي تعتبر الكمال والمثالية والتناظر أساسيات للجمال، فيما تقدّر هذه الفلسفة اليابانية اللاّكمال بوصفه سِمةً وجودية وتنظر إلى ما قد يراه البعض عيوبًا آثارا ذات قيمة تستحق التقدير، بل ترى أن ذلك هو جوهر الشيء وما يكوّن هويته ويجعله فريدًا. ما.

نقرأ في الأسطر الأخيرة من كتاب في مديح الظلّ “لقد كتبت كل هذا لأنني اعتقدت أنه ربما لا يزال هناك مكان ما، ربما في الأدب أو الفنون، حيث يمكن حفظ شيء ما، واستدعاء عالم الظلال هذا الذي نخسره. في القصر المسمّى الأدب، سأدفع الأشياء التي تظهر بوضوح شديد إلى الظلال، وأزيل الزخرفة غير المجدية… ربما يُسمح لنا بقصر واحد على الأقل حيث يمكن إطفاء الأنوار الكهربائية ورؤية شكلها دونَها.”

وهذا ما فعله عادل عصمت وهو يكتب لنا كتاب “أناس وأماكن” مقدما مرثية للقرية القديمة، وفيها وعي الإنسان المنغمس فيها إلى أقصى حدّ، ما يعطي نبض الحياة ونبض الصّدق في الفن.