أيُّ دور للمجتمع المدني في التصدّي لجائحة “كورونا” ؟

June 2020

يُعتبر المُجتمع المدني الخلية الأساسية للديمقراطية والإطار الأمثل لترسيخ اللامركزية. فهو الأقرب إلى المواطن وأشدهِ التصاقا بحياته وأكثرهِ استئثارا بمشاغله وهمومه. ولقد لعبت مكوّنات المُجتمع المدني غداة ثورة جانفي 2011 بتونس دوراً بارزاً، خاصّة فيما يتعلق بتقديم الخدمات المجتمعيَّة، في ظلّ تراجع دور الدولة تحت وطأة الأزمات الاقتصادية إضافة إلى تكريس الدّيمقراطيّة التشاركيّة إذْ تُعدّ الجمعيّات من أهمّ آليّات الدّيمقراطيّة المحلّية التشاركيّة نظرا لمدى قربها من المواطن، وبالتّالي فوجودها له أهمّية في التّمهيد لقيام مشاركة ناجعة للمواطنين في الشّؤون المحلّية باعتبارها تمثّل سلطة مضادّة للسّلط العموميّة. وقد مثّلت جائحة “كورونا” التي ألمّت بالعالم أجمعه في الأشهر القليلة الماضية فرصة هامة أكّد خلالها المجتمع المدني دوره الريادي في التخفيف من وطأة الأزمة اقتصاديا ومجتمعيا فمنذ إعلان دخول البلاد حالة الطوارئ ودخولها فترة الحجر الصحي الإجباري تجنّد المجتمع المدني بكل أطيافه (كشّافة / الهلال الأحمر التونسي/ الغرف الاقتصادية الفتيّة/ الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات / الهيئات والجمعيات المحلية بمختلف توجهاتها) لسدّ النقص الفادح الذي تشكوه الدولة في ظل ظرف اقتصادي عصيب جدا وفترة مفصلية خانقة على مستوى المؤسسات الصحية العمومية أو هياكل الشؤون الاجتماعية … ويمكننا تبويب هذه المساعدات لخدمات إلى أصناف:

 خدمات توعية وإرشاد أمام المؤسسات التي تشهد إقبالا استثنائيا كمكاتب البريد والبنوك ونقاط البيع من مغازات ومخابز وصيدليات … من خلال تنظيم الاصطفاف ومنع التقارب والتحسيس بخطورة الممارسات غير الواعية والتي من شأنها نقل الإصابات، توزيع الكمامات ومواد التعقيم وإن كان ذلك بشكل استثنائي ومحدود للغاية، الانتقال بين الأحياء عبر سيارات وبث رسائل توعية وتثقيف للعائلات مفادها تجنب الخروج والتزاور والتصافح …

 توزيع مساعدات عينية ومادية لفائدة الأسر محدودة الموارد كمواد التنظيف (الجفال، الصابون) والمواد الاستهلاكية الأساسية (الدقيق، السميد، المعجنات، قوارير الزيت، علب الطماطم)

 المساهمة في تعقيم الأحياء والمؤسسات التي ظلت قيد العمل

 تخصيص نقاط تعقيم متحولة أمام المغازات ومكاتب البريد والبنوك

تنظيم حملات تبرّع لفائدة المستشفيات التي تعوزها أسرة الإنعاش والمرافق الصحية الضرورية

 التكفل بإعداد وجبات طعام لإعاشة العالقين أو الخاضعين للحجر الصحي في المراكز المخصصة للغرض

 مقاومة الاحتكار خاصة احتكار الصيدليات والفضاءات الكبرى للكمامات وتخصيص بعض فضاءات المنظمات لتصنيع كمامات تستجيب لشروط ومواصفات الكمامات الصحية

 مقاومة موجة العنف المنزلي على النساء من أزواجهن أو أولياء أمورهن بتخصيص أرقام إصغاء و توجيه و مساعدة

وقد كان الشباب في كل هذه المحطات سيد الموقف وصاحب الكلمة برهن به عن حسّ مواطني رفيع جدا مستثمرا وسائط الاتصال الحديثة كالفايسبوك والواتساب وغيرها في التشبيك والتنسيق والتواصل فمعظم هذه المبادرات كانت عن طريق نداءات فايسبوك في مجموعات تواصل على أساس الجهات سرعان ما لقيت التواصل والتفاعل الإيجابي.

 وعلى هذا الأساس تمثّل الجمعيّات فضاء يمكّن المواطنين من المشاركة في تسيير المرفق العام ومعاضدة جهود الدولة وفي أحيان كثيرة تعويضها في ظل إخفاق السياسات التنموية العمومية وكذلك من التصرّف في الشّؤون المحلّية وبالتّالي تشريك الفرد في تنفيذ مشاريع محلّية فالمواطن ومن خلال انخراطه في الجمعيّة سوف يقوم بالمشاركة من خلال الجمعيّة المنخرط فيها في تسيير الشّؤون المحلّية .

إنّ مثل هذه المبادرات العفوية والتلقائية الخالية من أي تخندق حزبي أو ولاء إيديولوجي برهنت مجددا على ريادية المجتمع المدني بكافة أطيافه لاسيما الطاقات الشابة التي يزخر بها المجتمع المدني المحلي وأكدت مجددا فشل العمل الحزبي في معاضدة مجهودات الدولة والاقتراب من الشأن المواطني وتمثله بعيدا عن الحملات الانتخابية الموسمية. ومن شأن هذه الجائحة خلق تغيرات مجتمعية حاسمة مستقبلا لاسيما في ما يخص ثقة المواطن العادي بالعمل السياسي والحزبي وهو ما من شأنه أن يغير المشهد البرلماني في محطات انتخابية قادمة بصعود القوائم المستقلة صعودا صاروخيا مقابل انحدار مُدوٍّ للأحزاب التي استأثرت بنصيب الأسد في التركيبة البرلمانية سابقا. كما أن المتوقع إعادة الثقة بالشباب الذي غُبط حقّهُ سابقا مقابل منح الثقة للشيوخ في الاستحقاقات الانتخابية السابقة وفاء للإرث الأبوي السياسي وعجزا عن التخلص من عقدة المركزية الأبوية السياسية. ناهيك أخذ الفئات الشابة بيد المبادرة والخوض في تفاصيل الشأن المحلي بعد عزوف واضح عنه منذ الثورة

Photo credit: I WATCH Organization