تأثير فيروس كورونا على لغتنا وسلوكنا

May 2020

 

 

 هناك عمل فطري لا يتوقف عنه البشر أبدا في أي حالة وأي وضعية وفي كل سياقات التاريخ، حتى مع الحجر الشامل. فما هو هذا الفعل الذي لا يوقفه أي شيء؟

إنه بكل بساطة النطق بالكلمات وصياغة اللغة، وولادة أو استحضار مصطلحات جديدة خاصة بسياقنا والظرف البشري الذي نعيشه. اليوم والإنسانية تواجه خطر جائحة كوفيد 19 ما هي اللغة الأكثر تداولا، التي نزلت الحرب ضد الفيروس رفقة الأطقم الطبية  وتجارب الأمصال واللقاحات ؟ (قيل أن تشرتشل جند اللغة الأنقليزية في الحرب العالمية الثانية)  ما هي أهم المفاهيم التي طفت على السطح وهيمنت على الخطاب الطبي والاجتماعي في فترة مقاومة انتشار الوباء ؟

سنقوم  في هذا المقال بمحاولة تتبع أهم المفاهيم والمصطلحات الطبية، التي علينا فهمنا في زمن مقاومة الوباء. فاللغة تحمل قواعد صحية تحمينا عند اتباعها، وكذلك أمانا وأملا نتسلح به عندما تسمع جملا مليئة بالتضحية من قبل “نحن في المستشفى من أجلك”. 

خطاب جديد ولغة أخرى ولدت بعد كورونا

كلمات أصبح لها الوقع الأكبر، والشخصيات العلمية (أطباء خبراء مختصون) صارت أهم من رجال السياسة والاقتصاد.  ندخل مرحلة لكل كلمة معناها المحدد وأثرها السلوكي والنفسي على مواطني بلد بعينه أو سائر الإنسانية.

عاش العالم  قبل كورونا صعود موجات العنصرية وخطابات اليمين المتطرف المعادية للاجئين والمثليين وحقوق المهاجرين والمرأة، وهي خطابات ساخرة من الحركات البيئية والايكولوجية. كل هذه الخطابات تتراجع وتسقط أمام  الخطاب العلمي الواضح والمنهجي الذي يتضمّن عبارات إجرائية (حسب عبارة الفيلسوف جون أوستن)  عبارات فيها الأفعال والإجراءات الواضحة التي علينا اتباعها من أجل البقاء على قيد الحياة، وتفادي انتشار الفيروس وتعريض حياة الآخرين للخطر.

مفاهيم طبية كلاسيكية ومألوفة في فهرس الدراسات الطبية، وأخرى وافدة لم نسجل حضورها كثيرا في المعجم الطبي السائد من قبيل التباعد الاجتماعي ومناعة القطيع، أو التي طفت على الساحة في هذا الوقت.  ونقاشات حول دور الدولة الاجتماعي وواقع القطاع الطبي وأهمية الصناعات الطبية والدوائية. وحقيقة نجاح العولمة والتضامن بين الدول.

أسماء منظمات أصبحت تحتل العناوين الكبرى للأخبار والجرائد، منظمة الصحة العالمية وأطباء بلا حدود. هذه المواجهة مع الكورونا لا يمكن أن تتمّ بكلمات فضفاضة مثل باقي المشاكل أو النزاعات البشرية من قبيل الأمين العام للأمم المتحدة يعرب عن قلقه (وقلقه دائم للأمانة حتى تحولت الجملة إلى نكتة سخيفة). هنا بيانات وتصريحات مسؤولي منظمة الصحة الدولية في الأغلب دقيقة ومحددة وواضحة.

اللغة أيضا تتجند من أجل محاربة فيروس كوفيد 19.

أصحاب القرار والمسؤولية الاستيتيقية والقانونية زمن الكورونا من هم؟

حتى ترتيب وهرمية السلطة تغيرت في فرنسا فأصبحت سلطة التقدير والتقرير للمجلس العلمي الذي يستشيره الرئيس ماكرون. اليد العليا والسلطة والأمل والرجاء وحتى القرار.. كلها في يد المجلس العلمي. المنطق العلمي هو الذي يقرر أن هذه الأوبئة لا تواجه بالخطابات الجياشة رغم أهمية المشاعر والأمل في هذه الأزمات. فمصطلحات الحفاظ على السلامة والصحة النفسية زمن الأزمة، أيضا صارت موضوع نقاش أساسي. وإعادة توزيع الزمن الاجتماعي ونحن متباعدون كل في حجرة من أجل مصلحة الكل.  أو ما هي تلك الرسائل التي لا يسلط عليها الضوء ولا تظهر أمام العموم. رسائل حب زمن الكورونا ورسائل دعم الأطقم الطبية من شركائهم العاطفيين هذه الزوايا على هامش كل حدث تاريخي مفصلي علينا أن نفكر فيه أيضا. دائما مع السرديات الكبرى هناك سرديات صغرى وخاصة ربما منها ذلك التآزر بين البشر وكم الحب والدعم زمن الأزمة (نختبر الحديد بالضغط عليه وقد نختبر إنسانيتنا بكم العطاء والدعم النفسي الآن خاصة لمن هم على خط المواجهة الرئيسي.)

لغة ومطلحات الكورونا

تجدر بنا الإشارة في البداية، أن ترتيب المصطلحات والكلمات  يتمّ بشكل اعتباطي.

لنبدأ  مثلا بالكلمة الأكثر تداولا طبعا  فيروس،  فما هو التعريف العلمي للفيروس :

كائنات صغيرة ومجهرية لا يمكنها التكاثر إلا داخل خلايا كائن حي آخر. تصيب الفيروسات جميع أنواع الكائنات الحية، من الحيوانات والنباتات إلى البكتيريا. على الرغم من أن هناك الملايين من الأنواع المختلفة، لم يتم وصف إلا حوالي 5.000 نوع من الفيروسات بالتفصيل، وكان الاكتشاف الأولي لفيروس “تبرقش التبغ” Tobamovirus group من قبل  عالم النبات الهولندي “مارتينوس بيجيرينك” (1) عام 1898. الفيروسات موجودة تقريبا في كل النظم الأيكولوجية على الأرض، وتعتبر هذه الفيروسات الكيان البيولوجي الأكثر وفرة في الطبيعة. دراسة الفيروسات معروفة بعلم الفيروسات (2) وهو تخصص فرعي في علم الأحياء الدقيقة.

 طبعا الفيروس الأكثر شهرة هذه الأيام هو فيروس كوفيد 19.

الوباء والانتشار الوبائي  : L’épidémie

هو انتشار مفاجئ وسريع لمرض في رقعة جغرافية كبيرة (في عدد كبير من الدول)  فوق معدلاته المعتادة في المنطقة المعنية، وبمعدلات كبيرة. من الأمثلة على الأوبئة وباء الطاعون  خلال العصور الوسطى انتشار مرض سارس وإنفلونزا الطيور وحاليا فيروس كورونا أو كوفيد 19.

الحجر الصحي : La quarantaine

هو مكان يعزل فيه أشخاص ، أو أماكن، أو حيوانات، قد تحمل خطر العدوى بمرض سريع الانتشار مثل كوفيد 19. وتتوقف مدة الحجر الصحي على الوقت الضروري لتوفير الحماية اللازمة، في مواجهة خطر انتشار أمراض بعينها أو حالة انتشار وبائي. ويشير الحجر الصحي في سياق الرعاية الصحية إلى مختلف الإجراءات الطبية المتبعة لإحباط انتشار العدوى التي قد تنتشر بالمستشفيات. حيث توجد صور مختلفة للحجر الصحي المنزلي أو في مجمعات الحجر المخصصة لذلك، وتُستعمل اعتماداً على نمط العدوى والعوامل المتضمنة في انتشارها، وذلك بهدف مواجهة التشابه في عملية الانتشار عبر الجسيمات المختلفة، أو عبر الاتصال عن طريق الجلد، أو من خلال الاتصال عن طريق سوائل الجسم أو طرق أخرى.

العزل الاجتماعي  distanciation sociale

 يسمى أيضا التباعد الاجتماعي هو من المفاهيم الوافدة على المجال الصحي خاصة في فترة الأوبئة. وهو من المصطلحات التي يجامع فيها الطبي التقني بالاجتماعي الإنساني حيث هي جملة من القواعد الطبية تطبق وفق معايير ذاتية تؤثر على شكل العلاقات الاجتماعية.  ونقلا عن موقع شبكة “بي بي سي عربي” إن خبراء ومتخصصين يفسرون تطبيق التباعد الاجتماعي كالتالي:

لتطبيق التباعد الاجتماعي ينبغي عليك العمل من المنزل كلما كان ذلك متاحًا، وتجنب كل التنقلات والسفرات غير الضرورية، واحرص على الابتعاد عن الأماكن المزدحمة كالنوادي والمسارح وغيرها، وتجنب الاجتماع بالأصدقاء قدر الإمكان.

 ويعد العزل المنزلي أيضا وسيلة للتباعد الاجتماعي:

يُقصد بالعزل الذاتي البقاء في المنزل، وعدم مغادرته لأي سبب؛ مما يعني عدم الذهاب للعمل أو المدرسة أو أي مكان عام خلال هذه الفترة، كما يجب عليك، إذا أمكن، ألا تغادر المنزل حتى لشراء طعام أو أي مواد أساسية أخرى.

وإذا لم تتوفر خدمة توصيل واضطررت للخروج من المنزل لشراء احتياجاتك؛ فعليك الالتزام بعدم التواصل الاجتماعي.

وتطبق إجراءات العزل الذاتي على كل شخص تظهر عليه أعراض العدوى بفيروس كورونا مثل ارتفاع الحرارة إلى 37.8 درجة أو أكثر، مع سعال مستمر، وصعوبة في التنفس، كما تطبّق مع أي شخص يعيش في بيت به شخص لديه هذه الأعراض.

طب الأوبئة والأمراض المعدية:  هو أحد الاختصاصات الطبية التي تهتم بمعالجة الأمراض المعدية وتشخيصها والوقاية منها والتحكم فيها، والتخطيط حول كيفية التوقي من سريان وانتشار الأوبئة، وكيفية التصرف والتخطيط في حال انتشار الوباء.

 يقوم الطبيب المختص بالأمراض المعدية والأوبئة بمعالجة الأمراض المنقولة أو المكتسبة في المستشفيات وكذلك الأمراض التي تنتقل إلى المريض خارج المؤسسات الصحية في المجتمع والتعامل مع الأوبئة سواء المعروفة مسبقا أو المكتشفة حديثا مثل كوفيد 19. ونجد في تونس المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة l’Observatoire National des Maladies Nouvelles et Emergentes ، وتترأسه الدكتورة نصاف بن علية وهي مختصة في  علم الأوبئة والوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية. ويقوم المركز وبمعاضدة من كافة المتدخلين في المجال الطبي بجهود مقاومة وباء كوفيد 19 في تونس.

مناعة القطيع Immunité grégaire 

تسمّى كذلك  مناعة المجتمع  هي شكلٌ من أشكال الحماية غير المُباشرة من مرضٍ معدٍ، أو انتشار وبائي وتحدث عندما تكتسبُ نسبةٌ كبيرةٌ من المجتمع مناعةً لعدوًى معينة، إما بسبب الإصابة بها سابقًا أو التلقيح، مما يُوفر حمايةً للأفراد الذين ليس لديهم مناعةٌ للمرض. إذا كانت نسبةٌ كبيرةٌ من السكان تمتلك مناعةً لمرضٍ معين، فإنه يُساعد في عدم نقل هؤلاء الأشخاص للمرض، وبالتالي يُحتمل أن تتوقف سلاسل العدوى، مما يؤدي إلى توقف أو إبطاء انتشار المرض.

كُلما زادت نسبة الأفراد الذين لديهم مناعةٌ في المجتمع، كلما يقلُ احتمال اختلاط الأفراد الذين لا يمتلكون مناعةً مع أشخاصٍ ناقلين للمرض، مما يُساعد على حمايتهم من العدوى.

استخدم مُصطلح مناعة القطيع للمرة الأولى في عام 1923. وقد اعتُرف به كظاهرةً تحدثُ طبيعيًا في ثلاثينيات القرن العشرين، وذلك عندما لوحظ أنه بعد تطويرِ عدد كبيرٍ من الأطفال لمناعةٍ ضد الحصبة، فإنَّ عدد الإصابات الجديدة قد انخفض مؤقتًا، خصوصًا بين الأطفال المُعرضين لخطر الإصابة به.

منظمة الصحّة العالمية Organisation mondiale de la santé

 يرمز لها اختصارا WHO هي واحدة من عدة وكالات تابعة للأمم المتحدة متخصصة في مجال الصحة. وقد أنشئت في 7 أبريل 1948. ومقرها الحالي في جنيف سويسرا.

وهي أساسا السلطة التوجيهية والتنسيقية ضمن منظومة الأمم المتحدة فيما يخص المجال الصحي. وهي مسؤولة عن تأدية دور قيادي في معالجة المسائل الصحية العالمية وتصميم برنامج البحوث الصحية ووضع القواعد والمعايير وتوضيح الخيارات السياسية المسندة بالبيّنات وتوفير الدعم التقني إلى البلدان ورصد الاتجاهات الصحية وتقييمها.

ومن أهم مبادئها :

أن الصحة، في القرن الحادي والعشرين، أصبحت مسؤولية مشتركة تنطوي على ضمان المساواة في الحصول على خدمات الرعاية الأساسية وعلى الوقوف بشكل جماعي لمواجهة الأخطار عبر الوطنية مثل الأوبئة حاليا.

ماهي الدروس التي ربما نتعلمها من كوفيد 19؟

دائما هناك مساحات مخفية علينا التفكير حولها، وأشياء جديدة علينا محاولة تعلمها. ودائما ما كان بقاء البشرية غاية إنسانية غريزبة وفطرية.  يعلمنا هذا الكائن المجهري شديد الصغر إعادة التفكير في ترتيب أولوياتنا حين تفتقد دول لها ترسانات من القنابل الذرية، وسائل حماية وأسرّة وأدوية كافية لمواطنيها. وحين يعيد سؤال العدالة الاجتماعية في ثوب عدالة الخدمات الصحية وضرورة جودتها لكل المواطنين الظهور على السطح وبقوة. وحين تكون دولة محاصرة لأكثر من نصف قرن لها العدد الأكبر من الأطباء ومن أفضل منظومات صناعة الأدوية وتوزيع الأطباء حسب عدد السكان وتقدم المساعدات اليوم لإيطاليا وهي كوبا [1]. كل هذه دروس مستخلصة من كوفيد 19  أولها أن صحة عادلة يمكن أن تتوفّر بالإرادة والتضامن وحسن التخطيط مثل النموذج الكوبي وأن الأمل والعلم هما سبيل الخلاص الإنساني.

دائما يخفي العقل البشري قدرة عظيمة على التفكير، سوف تتجاوز البشرية هذه الأزمة كما علمنا التاريخ لكننا سنولد من جديد مثل شمس تشرق محملة بأحلام الشفاء كل صباح.

*ملاحظة: حاولنا في تعريفنا لعديد المصطلحات والمفاهيم أن نحافظ على المعنى الأساسي والجوهري لكلّ مصطلح أو مفهوم مع الأخذ بعين الاعتبار تبسيطها قدر المستطاع دون الدخول في التفصيلات العلمية أو الطبية لها.

المصادر:

https://3bkri.com/figur/%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%AA%D9%8A%D9%86%D9%88%D8%B3%20%D8%A8%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D9%86%D9%83

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%88%D8%A7%D8%A8%D8%A9:%D8%B9%D9%84%D9%85_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%B1%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%AA

https://www.skynewsarabia.com/technology/1331114-%D9%86%D8%B7%D8%A8%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A8%D8%A7%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B2%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B2%D9%84%D9%8A%D8%9F

https://www.france24.com/ar/20200323-%D8%A5%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7-%D9%83%D9%88%D8%A8%D8%A7-%D8%AA%D8%B1%D8%B3%D9%84-%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B7%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D9%88%D8%B5%D9%88%D9%84-%D8%A3%D9%88%D9%84-%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%84%D8%A9-%D8%A8%D9%8045-%D8%B7%D9%86%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%A9

[1]